بْراﭭـو مُسْيو رمضان!


بْراﭭـو مُسْيو رمضان!
محمد الراجي


يستحق السيد طارق رمضان، تحية تقدير عظمى، لموقفه الرزين، وتصرفه الحكيم، اللذين تحلّى بهما طيلة مدة منعه من دخول الأراضي الأمريكية، والتي امتدّت من شهر غشت سنة 2004 إلى أواخر شهر يناير من السنة الجارية، بدعوى أنه "داعية إسلامي متطرف". آنذاك، وعندما علم الرجل بأن السلطات الأمريكية ألغت تصريح العمل الذي سبق أن منحته إيّاه للاشتغال كأستاذ زائر في جامعة نوتردام بولاية إنديانا، لم يتجاوز رد فعله سوى أنه قال: "لقد شعرت بالصدمة من هذا القرار"، ونسي الموضوع، وعندما فتحت له الولايات المتحدة أبوابها مؤخرا، بعد أزيد من خمس سنوات من المنع، قال: "أشعر بسرور عميق تجاه قرار واشنطن"، وطوى الصفحة المؤلمة وكأن شيئا لم يكن! لذك يستحق الرجل أن نقول له براﭭـو!

2)

السيد طارق رمضان، الذي تعرض لهذه "البهدلة" الأمريكية، لم يبادر إلى مقاطعة أمريكا، بل ظل صامتا، صمْت الحكيم الرزين، في انتظار أن يحصل الفرج والانفراج، وعندما تحقق ما كان ينتظره، وصار بإمكانه أن يحاضر من جديد داخل فضاء الجامعات الأمريكية، عبّر عن فرحه وسروره بالمناسبة، في انتظار أن يحزم حقائبه ويذهب إلى هناك. فالسيد طارق رمضان، وإن كانت تجري في عروقه دماء عربية، لكونه حفيدا لحسن البنا، مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر، إلا أن لديه عقلية مغايرة ومختلفة عن العقلية العربية، التي، لو كانت تستوطن رأس السيد طارق، لكان قد لجأ إلى السلاح العربي الشهير، الذي يتم استخراجه من غمده واستخدامه في مثل هذه المناسبات، ألا وهو سلاح المقاطعة!

3)

لكن السيد طارق رمضان، ولحسن حظه تربّى وترعرع في الغرب المتعقّل، (ولد في سويسرا) وساعدته نشأته هناك، في تكوين شخصية متعقلة ورزينة، هي التي ساعدته على مواجهة "البهدلة" الأمريكية بحكمة ورزانة وتبصّر، لذلك عندما منعوه صَمَت، وعندما فتحوا له الأبواب مجددا لم يمانع في الدخول، لأنه يدرك جيدا أن الأهم هو المستقبل، أما ما مضى فقد مضى، ولم يكن ليتصرف على هذا النحو الرائع لو كانت لديه عقلية عربية، لأن العرب عندما يتعرضون لمثل هذه المواقف، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، ويغضبون ويثورون، وكم سمعنا من "مثقفي" آخر الزمان، يصرحون بأفواههم التي يتطاير منها الزبد، عندما ترفض إحدى الدول الغربية أن تمنحهم تأشيرة الدخول، بأنهم لن يدخلوا إلى هذه الدولة أبدا، ولن يزوروها حتى ولو منحت لهم مائة تأشيرة وتأشيرة، فالعقلية العربية عقلية متعصبة وثائرة، يتملكها جنون التكبّر والعظمة، ورغم ذلك يعيش أهل هذه العقليات، الساكنين في هذا التابوت الممتد من المحيط إلى الخليج، كما سمّاه محمد الماغوط، في الحضيض!

4)

عما قريب إذن، سيلتحق السيد طارق رمضان، بعمله القديم/الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية، غير آبه بـ"الشمتة" التي ألحقتها به السلطات الأمريكية، وظل عرضة لها لمدة خمس سنوات ويزيد، وسيواصل نشر الرسالة التي كرّس حياته من أجلها، وسيحاضر ويناقش ويجادل، بدم بارد، وأعصاب هادئة، لا فرق بينها وبين أعصاب الغربيين، في الوقت الذي تشبه فيه نقاشات ومحاضرات ودروس وخطب العرب معارك طاحنة، يرتفع فيها الصوت إلى أقصى درجاته، ويتطاير فيها الرذاذ من الأفواه، لأن الحرب الوحيدة التي يتقنها العرب هي الحرب الكلامية، التي لا يحسنون استخدامها هي أيضا،

5)

سلاح المقاطعة أيها السادة سلاح لا يستخدمه إلا الجبناء وضعاف النفوس، الذين لا صبر لهم ولا طاقة على مواجهة الآخر بالحجة والدليل والبرهان إلى آخر لحظة. فماذا كان سيجني السيد طارق رمضان، لو أنه قرر مقاطعة أمريكا، وعدم الدخول إليها من جديد؟ لم يكن ليجني شيئا بطبيعة الحال، بل سيخسر أشياء كثيرة، ويخسر معه المسلمون أشياء كثيرة. لذلك، يجدر بالمسلمين (أتحدث هنا عن المسلمين العرب بالخصوص) أن يتعقلوا قليلا، ويعلموا أنهم عندما يقاطعون الدانمارك مثلا، بسبب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، أنهم هم الخاسرون، ويعلموا أنهم، عندما يقاطعون التواصل مع الشعب الإسرائيلي أنهم أيضا هم الخاسرون، فالمثل يقول بأن أفضل وأجدى وأنفع وسيلة للدفاع عن النفس هي الهجوم، وأحسن من يطبق هذا المثل هم المسؤولون الإسرائيليون، الذين لا يرفضون أي دعوة من أجل الظهور على شاشة القنوات الفضائية العربية، لمخاطبة العرب بلغتهم، وأنشؤوا مؤخرا قناة تلفزيونية تقدم برامجها باللغة العربية، بينما العرب يصرون على المقاطعة. فعندما تتقوقع وتنطوي على نفسك، تتوالى عليك ضربات الآخر من كل جانب، وهذا بالضبط ما يفعله العرب، داكشي علاش واكلين العصا بْلا قياس!

6)

فلو كان العرب يتمتعون بقليل من الحكمة، عندما اندلعت أزمة الرسوم الكاريكاتورية في الصحافة الدانماركية، ما كنا لنسمع عن "فتاوى" مجنونة بإهدار دم من خطّ تلك الرسوم، ولما تمّ الإجهاز على المخرج السينمائي فان غوخ، بسبب إساءته للإسلام، ولما تمّ إحراق سفارات وقنصليات وأعلام الدانماراك، مع الدعوة إلى مقاطعة أجبانها، فالذي كان يجب القيام به هو أن يطرح الجميع هذا السؤال: لماذا يحتفظ هؤلاء داخل أدمغتهم بمثل هذه الصور المغلوطة عن الإسلام وعن رسول الاسلام؟ وسيجدون أن الجواب هو: لأنهم بكل بساطة يجهلون كل شيء وأي شيء عن هذا الدين الحنيف، ومن ثمّ تكون الانطلاقة نحو العمل ثم العمل ثم العمل، من أجل نشر الصورة الصحيحة عن الإسلام، حتى تتغير نظرة الغرب إلى هذا الدين الذي "شوهه" أسامة بن لادن ومن تبعه وتابعيهم.

لكن من سيقوم بهذه المهمة؟ لا أحدا طبعا، لأن المسلمين (العرب تحديدا)، كسالى يحبون الخمول، ويكرهون القيام بأي مبادرة، لأن من يبادر أولا، في ثقافتنا، إنسان ضعيف الشخصية، وماشي راجل! لذلك فـ"المسالمون" منهم يلجؤون إلى استخدام سلاح المقاطعة، أما غير المسالمين فيلجؤون إلى استخدام :السلاح ديال بصحّ!

لأجل كل هذا، أقول بأن السيد طارق رمضان وأمثاله (على قلتهم وندرتهم) هم من نحتاج إليهم، وليس إلى من لا يعرف لغة أخرى غير لغة المقاطعة والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة!

Lesoir2006@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق